بقلم ـ فاطمة القاضي
أقول إن الحرب هناك لم تكن أصواتَ رصاصٍ فقط،
بل ضجيجَ العالَمِ وهو يُدير وجهه عن الحقيقة.
لم تكن حربًا على أرض،
بل على الذاكرة… على الحق في أن يُروى الحلم كما هو.
في فلسطين، لا يسقط الحجر عبثًا،
ولا يختفي وجهٌ دون أن يترك في الهواء أثرًا يشبه النور.
حتى الغبار هناك، يحمل في ذراته أسماءً لم تندثر،
كأن الأرض ترفض أن تنسى.
أؤمن أن الدمار لم يُطفئها،
بل عرّاها لتبدو على حقيقتها:
أقوى من الخوف، وأصفى من الحقد،
تُشبه إنسانًا خرج من تحت الركام يحمل قلبًا لا يزال قادرًا على الحب.
أقول إن الأطفال هناك يولدون بعيونٍ تعرف أكثر مما ينبغي،
وفي ضحكاتهم تختبئ وصايا الغائبين.
هم لا يحكون عن الغد،
بل يصنعونه، من بين الشظايا، بخيالٍ أعند من الحرب.
وأرى أن فلسطين ليست وجعًا،
بل درسًا عميقًا عن ماهية البقاء،
عن كيف يمكن للإنسان أن يقف على أنقاض نفسه… ولا يفقد ملامحه.
إنها الذاكرة التي لن تُمحى،
الصوت الذي لا يُخرس،
البرهان على أن العدالة، وإن تأخرت، لا تموت… بل تتنفس تحت الرماد.
فلسطين، ليست نهاية حكاية،
بل سؤالٌ أبديٌّ عن معنى الإنسان،
عن قدرته أن يخلق من الخراب معنىً،
ومن الألم… وجها جديدًا للحياة.
أدركتُ في النهاية أن النجاة ليست أن نخرج من الحرب أحياء،
بل أن نخرج منها أنقياء،
نحمل بقايا الضوء في أعيننا، كأننا عُدنا من ليلٍ طويلٍ نعرف اسمه ولا نخافه.
تعلّمتُ أن ما يبقى من الخراب ليس الركام،
بل القصص التي تحرس الذاكرة من الصمت،
والقلوب التي ترفض أن تتقن الحقد رغم كثرة الأسباب.
إن الإنسان لا يُهزم حين يُكسَر،
بل حين يفقد قدرته على الإحساس بما كُسر فيه.
وفلسطين، بهذا الفهم، لم تُهزم يومًا،
لأنها اختارت أن تظل تشعر… أن تظل تحب… أن تظل تُنبت حياةً في الرماد.
فكلُّ حربٍ، مهما اشتدَّ سوادها،
لا تطفئ من يشبه النور،
بل تُعيده أنقى… وأصدق… وأكثر معرفةً بأن الخلاص لا يأتي من الخارج،
بل يولد في داخلنا،
حين نغفر، ونبني، ونُحب رغم كلّ ما لم يُحَبّ فينا.





المزيد من القصص
المجلس القومي للمرأة يختتم ورشة “أمانة في إيدك” ضمن فعاليات حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة
صون كرامة الإنسان… التزام لا يسقط بالتقادم
ندوة بعنوان “الشائعة سلاح… والتحقق دفاعك الأول”