كتب – عماد إبراهيم
النوبي:حياتنا مبنية على ثلاث محطات
الأولى هي الكمال والثانية هي الغربة وأما الثالثة ، فهي العودة إلى الوطن ……..
قبل أن نخوض كلّ هذه المعارك ، كنا في أمان
لم نكن نعرف معنى الحزن والضياع ، ولا طعم المشاكل ولا الفراق وأمّا الموت ، فكان كلمة بلا معنى . لا تحرّك ساكنا في القلوب ولا تؤلم . لم نكن نعرف معنى أن يشعر المرء بالتّيه في داخله . كان كل شيء على ما يرام . لأنّنا كنّا بين أحضان الله .
ثمّ بدأ العدّ التّنازلي واختار كلّ منّا أن يكون حرّا أكثر ويعيش القليل من المغامرات لاكتشاف الحياة من باب آخر . بابُ الانفصال عن الله .
ومن هذه النّقطةِ بالتّحديد ، بدأت معاناة البشر .
عندما ضاعت البوصلة وتشوّهت الرّؤية وبرزت المغريات وزُيّنت الدّنيا بألوان من كان الأفضل ، من كان الأسرع ، من كان الأقوى ومن كان الأظلم .
وشيئا فشيئا ، اتّخذنا لأنفسنا إلها من دون الله الواحد الوحد .
وأصبحت المادّة إلها ، الحبيب إلها ، العائلة إلها ، الدّنيا في حدّ ذاتها إلها …..
ومع مرور الزمن ، بحث البشر عن سبب مقنع لكلّ هذه الغربة الّتي يشعرون بها . وتفكّك السّبب الرّئيسيُ إلى مسمّيات حتّى باتت المسمّيات أيضا إلها .
وفي وسط كلّ هذا ، لا يزال الله يراقبنا بصمت وبحبّ ورحمةٍ كبيرةٍ جدّا ، علّنا نستفيق من غفلتنا وعبادتنا لكلّ ما هو زائل …..
لا يزال الله ينتظر أن ينصت أحد أحبابه إليه ليحدّد وجهة الطّريق مجدّدا .
أيّ طريق نسلك نحن ؟
إلى أين ذاهبون ؟
مالمغزى من كلّ هذه الصّراعات ؟
ولماذا نسعى لإثبات أنفسنا ؟
مالذي ينقصنا وماهو وجعنا الحقيقيّ ؟
ممّ نشتكي نحن ؟
أيّها الرّفاق . أحبّتي
إنّ الطّريق واحد والرّبُّ واحد .
لا يمكن أن تذهب بعيدا وأنت منفصل عن حقيقة من أنت . لا يمكن أن تسعد حقّا وأنت تسعى وراء أشياء زائلة لا قيمة لها .
إنّ كلّ ما تسعى إليه ، غير موجود ، لأنّه في المستقبل
وهل نحن في المستقبل ؟
إنّنا هنا ، في الحاضر .
المستقبل ليس إلاّ إمتداد لهذه اللّحظة .
أعلم أنّ وجع المرء هو فقدان المعنى .
أن يعيش الإنسان بدون معنى ، فتلك هي أكبر خساراته . ولكن من أين يأتي المعنى ؟ كيف تصبح ذا معنى وأنت منفصل عن أصلك . كيف تجد نفسك وأنت تعبد نفسك معتقدا أنّك نفسك .
وكيف تمجّد ظاهرك ، في حين أنّك لست جسدك .
أين ذهبت الرّوح ؟
أين هو الله …..
من أنت ؟
لم يكن العيب يوما فيك
ولم ينقصك شيء
وكلّ ما تبحث عنه هو مجرّد جرحٍ جديد لقائمة جراحاتك السّابقة .
إذا قيّمت نفسك من منظور أنّك ناقص ، فستملأ فراغك بنقص جديد . وإذا حكمت على نفسك بأنّك حزين ، فسيدخل حياتك من يزيد حزنا على حزنك .
وإذا فكّرت في أنّ الحياة بلا معنى ، فستموت بأفكارك ونظرتك المظلمة .
أمّا إذا تركت كلّ هذا وحاولت المراقبة من بعيد .
وتجرّدت من كلّ العناوين الّتي حكمت بها على نفسك . لستُ حزن . لست نقص . لست جرح . لست أفكاري ، لست مشاعري ولا معتقداتي .
ثمّ اغمض عينيك بعد نفس عميق وطويل .
ارمي نفسك في الفراغ . لا شيء هناك .
لا يوجد شيء . لا يوجد شيء على الإطلاق ……
تخيّل كما لو كنت نورا فقط . من فوقك نور ومن تحتك نور وعلى يمينك نور وعلى يسارك نور .
ثمّ ردّد بلسان قلبك وبهدوء . لا إله إلاّ الله
أخبرني من أنت في الفراغ . من أنت بلا أيّ شيء .
من أنت وأنت تردّد لا إله إلاّ الله ………
الله ستجده دائما في الفرح وفي السّلام
ولكنّه معك دائما في جميع حالاتك .
لا تنخدع بما تراه ولكن صدّق قلبك مرّة واحدة وجرّب أن تعثر على نفسك في الفراغ . هناك يوجد كلّ شيء .
لأنّ الله ستراه دائما ولكنّك لن تشعر به إلاّ في تلك المساحة المقدّسة الّتي تُسمّى قلبك . ومن قلبك يتدفّق تيّار الرّحمن ليجعلك تراه هذه المرّة وأنت موقن أنّه فيك وليس في مكان بعيد .
وفقط للتّذكير .
كلّما كنتَ فرحا في العمق وراضي ، كلّما جسّدت دورك هنا بأمان وكنتَ خليفته على هذه الأرض الطّيّبة .
ستعرف ذلك عندما تصبح أنفاسك خفيفة وأخيرا يزول ذاك الحمل من على كتفك . ولكن لا بأس إذا لم تكن بخير الآن . إنّ كلّ ما يأتي من الله خير ، ربّما أنت هو الّذي لا ترى هذا الخير . ربّما تحتاج فقط لكوب من الماء والجلوس بمفردك في صمت وتقديم بعض الثّناء لمن أنعم عليك بك .
ويا حبيبي . أنت كما أنت وفي ايّ حال كنت ، لستَ مفردك . إنّه دائما معك وبداخلك . سيلتقطك دائما ويحميك دائما لأنّك حبيبه دائما ..





More Stories
إعادة وإلغاء في دوائر برلمانية… والهيئة الوطنية تعيد تشكيل المشهد الانتخابي
جدل في الدائرة الرابعة بالفيوم بعد الإعلان المبدئي للنتائج… والأنظار تتجه للّجنة العليا
وشهد شاهد من اهلها