متابعة – عماد إبراهيم
لم تكن أيه تتخيل انها فى يومٍ من الأيام ستتعرض لتلك الظروف الصعبة التى واجهتها ، ولم يأتى فى تفكيرها قط ، انها قد تمر بتلك المواقف التى لا يمكن أن تُمحَى من ذاكرتها طول العمر .
وأن فكرة الإبتعاد عن ابنها المريض بأحد أمراض نقص المناعه لم تراودها على الإطلاق ولم تأتى فى مخيلتها ابدًا .
دخلت أيه عزل حميات ايتاى البارود ، عندما دَعا داعِى الجهاد على جنود الجيش الأبيض ، فهنا لا مجال للإعتذار لأى أسباب ، ولا سبيل عن التراجع عن أداء الواجب ، فالواجب لا يتنصل منه انسان ولا يتخلى عنه اى شريف ، فما بالنا بجنود الجيش الأبيض وهم الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس والسهر على راحتهم وعلى عنايتهم ، وهم المنوط بهم رعاية كل مريض وانقاذ كل مُصاب .
فى تلك اللحظات التى علمت أنها ستدخل العزل لتؤدى واجبها ، أول ما فكرت به هو ابنها المريض المتعلق بها أشد التعلق ، حتى أنه لا يكاد يفارقها ولا يأكل أو يشرب إلاّ من يديها ، ويحتاج منها إلى رعاية طبية وأسرية خاصة .
ووجدت الحل رغم صعوبة فكرة الأبتعاد عنه ، بأن تعهد إلى والدتها برعايته وسط تلك الظروف ، ودبرت أيه حالها وتوكلت على الله واستودعت ابنها واهلها عند الله ، وهى فى بالها انها لن تقابلهم مرةً أخرى .
وطمأنتها أمها بأنها ستعود إليهم سالمةً من كل مكروه و سوء ودعت لها بأن يحفظها الله عز وجل وأن يرجعها سالمةً اليهم ، وترجع لتأخذ طفلها فى حضنها من جديد .
ودخلت أيه العزل ولم تكن تتخيل أنها ستقابل مثل تلك الحالات المرضية الصعبة ، فهنا شبح الموت يُلقى بظلاله على كل ركنٍ من أركان المكان ، واذ بأيه يتملكها شجاعة لم تكن تعرف انها تتمتع بها من ذى قبل .
فلم تخف مما ترى ، وكأن الله سبحانه قد منحها قوةً لا تضاهيها قوة ، فَشَمَّرت عن ساعد الجِد والإجتهاد وأخذت تشحذ من همم زملائها ، وتبعث فى أنفسهم روح الهمة والنضال ، كى يذودوا معًا عن المرضى ضد هذا الوحش ، هذا الشبح المخيف الذى يقتطف ارواح الناس ولا أحد يراه .
فإيمانها بالله لا ينقضى وبأن بعد العسر يسرا ، وأن هذه المحنه ، لابد أن تنقضى ، وأن فرج الله آتٍ .
وتمضى الأيام الصعاب وهى فى العزل تتفانى وتجتهد فى أداء واجبها ، وتحلم باليوم الذى ترجع فيه لتضم صغيرها إلى حضنها مرةً أخرى .
ويحين موعد العوده للمنزل ، وكلها شوقٌ ولهفة لمقابلة أهلها وأخذ طفلها فى حضنها وتعود به لمنزلها .
لكنها صُدِمت عندما قابلت جيران والديها ، اذ بهم يهربون من امامها كأنهم رأوا الموت ذاته ، حالهم كحال الكثيرين ممن اصابهم الفزع من مجرد ذكر اسم الكورونا فى تلك المرحله .
لكنها بعد برهة من الإندهاش قابلت ذلك بابتسامةٍ فى داخلها ، والتمست لهم العذر لتخوفهم منها على أساس انها مخالطة للمصابين فى المستشفى ، وأحست بطمأنينه فى قلبها بأنها راضية عن
نفسها وتشعر بأن الله سبحانه راضٍ عنها ، فلا يهم نظرة الخوف التى تقابلها فى عيون البشر .
وبعدها دخلت أيه العزل مراتٍ ومرات ، تؤدى واجبها وتتفانى فيه لأبعد مدى ، مما جعل زملائها ورؤسائها يقدرون لها ذلك ، وكلما قام مريضٌ بالدعاء لها بالستر أو قام بشكرها ، لا يستطيع أحد أن يصف الفرحه التى تُحس بها فى قلبها ، وتردد دائمًا
اللهم أعِنِّى على رعاية كل مريض ، ووفقنى لتلبية واغاثة كل مُصاب ، يارب العالمين .
اللهم آمين …. كل التحية لأيه ولكل جنود الجيش الأبيض واللهم جازهم عنَّا جميعًا خير الجزاء .






More Stories
انجازا عالمياً داخل جامعة عين شمس تحقق بعلاج 12 مريضًا في وحده القسطرة المخية
منظمة الصحة العالمية تحذر من ظهور متحور جديد ل (كوڤيد19)
وزير الصحة يتفقد مستشفى الهلال ومستشفى شبرا العام