كتب/ أيمن بحر
فى زمن تفككت فيه دول وطنية وانقسمت فيه شعوب وأعيدت صياغة خرائط المنطقة وقفت مصر منفردة فى مواجهة تهديد وجودي غير مسبوق فى تاريخها الحديث ونجحت في العبور من واحدة من أخطر مراحل السيولة والفوضى التى كادت تعصف بكيان الدولة
التعامل مع مصر باعتبارها أقدم دولة فى التاريخ يفسر حجم قدرتها على الصمود لأن أخطر ما يواجه أى دولة ليس العدو الخارجى فقط بل العدو الداخلى القادر على تفكيك المجتمع وضرب أساس وجود الوطن وهنا تبرز أهمية العمق التاريخى والهوية القومية المصرية التى لم تتشكل بالشعارات بل بتجربة تاريخية طويلة صنعت وعيا جمعيا متماسكا
جغرافيا مصر دولة لا تقبل التقسيم فالوحدة التى صنعها وادى النيل عبر آلاف السنين خلقت ترابطا سكانيا وجغرافيا فريدا بين الشمال والجنوب مزج الأعراق والأنساب وصهر المجتمع فى كتلة واحدة وهو ما جعل أى نزعات انفصالية أمرا مستحيلا ورسخ الانتماء الوطنى فيدى الوعى الجمعى للمصريين
طائفيا لم تجد الانقسامات الدينية فى مصر بيئة حاضنة فالتعايش الدينى جزء أصيل من النسيج المجتمعى حيث تعيش الأديان المختلفة فى نفس الرقعة الجغرافية دون عزل أو تقسيم أو جيتوهات طائفية وهو ما أفشل محاولات التقسيم التى تعتمد على إشعال الفتن ومنح الدين دورا سياسيا يتجاوز إطار العبادة والإيمان
سياسيا تشكلت مصر كدولة مركزية قوية لا تسمح بسيطرة القبلية على مؤسساتها نتيجة تراكم تاريخى طويل من الانصهار الجغرافى والسياسى وتجدد هذا المفهوم مع الدولة الحديثة ثم الجمهورية ورغم التنوع السكانى الكبير فإن الهوية المصرية ظلت الإطار الجامع الذى يعلو فوق أي انتماءات ضيقة
اسم المصرى ظل دائما أقوى من أسماء القبائل والعائلات والأصول العرقية ومحاولات إحياء الانتماءات القبلية أو تغذية النعرات العابرة للحدود تمثل خطرا مباشرا على أمن الدولة وهويتها الوطنية ولهذا تبقى القومية المصرية هي خط الدفاع الأول في مواجهة هذا المسار التخريبي
القومية المصرية نجحت فيما فشلت فيه دول أخرى حين واجهت تمدد جماعات الإسلام السياسي التي رفعت شعارات الخلافة الدينية فرغم نشأة هذه التيارات داخل مصر فإنها الدولة الوحيدة التي استطاعت بعد قرن كامل أن تسقط مشروعها السياسي وتحافظ على الدولة الوطنية في وقت انهارت فيه دول أخرى أمام نفس المشروع
التحدي الحقيقي أمام الأمة المصرية يبقى في إدارة الصراع مع التطرف الديني وترسيخ مرجعية الدولة المدنية الوطنية بما يحرر المجتمع من التلاعب بالملفات الطائفية ويغلق الطريق أمام الجماعات الوظيفية التي تستهدف الدولة من الداخل
الهوية المصرية كانت عبر التاريخ سببا رئيسيا في الانتصارات والصمود وقت الأزمات فهي التي جمعت المصريين على اختلاف خلفياتهم وقت الشدائد وهي التي عززت الولاء للدولة وشكلت أساس الاستقرار السياسي والاجتماعي
كما لعبت القومية المصرية دورا محوريا في حماية الهوية الثقافية والحضارية والحفاظ على التاريخ المشترك والعادات والتقاليد ومنعت ذوبان الشخصية المصرية في ثقافات أخرى وهو ما حافظ على مكانة مصر كأحد أعمدة الحضارة الإنسانية
القومية المصرية ليست شعارا عاطفيا بل أساسا للاستقلال والتنمية وبناء دولة قوية قادرة على تطوير مواردها ومؤسساتها وتحقيق أهداف مشتركة لشعبها وهي التي تخلق شعورا بالفخر والانتماء وتحفز على العمل الجماعي والتقدم
غياب الهوية يعني غياب التاريخ والأرض ويجعل الوطن ساحة مفتوحة لأعداء الداخل والخارج أما ترسيخ الهوية المصرية فهو الضمان الحقيقي لحماية الدولة واستمرار نهضتها وقدرتها على مواجهة أي تهديد مهما كان حجمه





المزيد من القصص
وزيرة التنمية المحلية تتابع سير انتخابات مجلس النواب في جولة الإعادة بالدوائر الملغاة من المرحلة الأولى
المجلس القومي للمرأة يهنئ الدكتورة أمنية حلمى لضمها عضواً ضمن التشكيل الجديد لمجلس إدارة البنك المركزى
المجلس القومي للمرأة يطلق غرفة عمليات لمتابعة مشاركة المرأة فى جولة الإعادة بالدوائر الـ19 الملغاة