21 نوفمبر، 2025

الشرق الأوسط نيوز

آخر الأخبار تعرفونها فقط وحصرياً على الشرق الأوسط نيوز موقع اخباري شامل يدور حول العالم

تحولات كبرى أم متغيرات طارئة

 

 

كتب -ياسر صحصاح

 

يتوقف الباحثون والدارسون دائمًا عند المتغيرات العميقة في أحوال الشعوب، قد يكون بعضها إيجابيًّا يحملها إلى آفاق النهضة والتقدم وقد يكون البعض الآخر سلبيًّا تدفع الشعوب ثمنه تخلفًا وتراجعًا وانكسارًا.

يقول فاروق جويدة الشاعر والمفكر: في كل الحالات فإن الشعوب تدفع الثمن دائمًا تخلفًا وازدهارًا، وهي التي تحدد مسارها وهي قادرة -إذا ملكت الإرادة- أن تصنع الحاضر الذي تريد والمستقبل الذي تسعى إليه. وهناك دوائر تحكم مشوار الشعوب تأخذ أشكالًا سياسية واجتماعية وثقافية، وهذه الثلاثية لا تنفصل عن بعضها، وإن اختلفت الأولويات ودرجة الأهمية والأهداف. هذه مقدمة لا بد منها لكي نطرح هذا السؤال: أي القضايا الآن يتجه إليها اهتمام المصريين؟ هل هي السياسة أم قضايا المجتمع أم ثقافة مصر أغلى ما تملك؟

 

في تقديري أن مصر تشهد الآن تحولات اجتماعية ربما طغت على كل الجوانب والقضايا الأخرى؛ حيث إن الثقافة لم تعد قضية مصر الأولى كما كانت يومًا من حيث الدور والأهمية واهتمامات الناس، وقد أصبحت آخر ما يأتي في قائمة أولويات الإنسان المصري، ولذلك أسباب كثيرة تحتاج إلى دراسة أعمق. على جانب آخر، تأتي السياسة ونحن نعلم أن السياسة في مصر كانت لها توجهات ثابتة تراجعت فيها ثوابت كثيرة وتحولت إلى مجموعة طقوس لم تتغير.

 

وأمام تراجع دور الثقافة وما أصاب السياسة من مظاهر الخلل والتراجع، كانت التحولات والمتغيرات الاجتماعية هي أخطر الظواهر تأثيرًا في حياة المصريين، وهنا ظهرت سلبيات كثيرة؛ فتراجُع دور الثقافة المصرية أدى إلى اقتحام ثقافات أخرى. وكانت هجرة أفضل الخبرات المصرية في أهم التخصصات وأندرها وأغناها خسارة كبيرة في رصيد التقدم في حياة المصريين، خاصة أن رحلة اغتراب الكفاءات المصرية قد عادت ومعها أفكار وتقاليد ومظاهر سلوكية تتعارض تمامًا مع الثوابت في الفكر والسلوك والدين، وحتى الفنون تتعارض تمامًا مع مجتمع قام على تقاليد راسخة عاش عليها المصريون مئات السنين.

 

لقد عادت مواكب المغتربين بأفكار مختلفة في الدين والعمل والقيم في الحياة؛ حيث كانت قيمة العمل لدى المصريين هي الأساس وأصبحت للمال القيمة الأهم، وتحولت اهتمامات المصريين إلى مَن يكون أكثر مالًا وليس مَن يكون أكثر إنتاجًا وعملًا وإبداعًا، فقد كان الإنسان المصري مبدعًا خلاقًا وتحول إلى خزينة لجمع الأموال، وقد غيّر ذلك من أخلاقيات المصريين في جمع المال؛ فكانت تجارة الأراضي والسمسرة وأساليب التحايل والنصب، وهي ظواهر أبعد ما تكون عن تقاليد عريقة كانت تحكم سلوكيات الإنسان المصري، وصارت لعنة الجري وراء المال من أخطر السلبيات التي ظهرت في الشخصية المصرية؛ مما أدى إلى تغييرات حادة في الواقع الطبقي والاجتماعي في مصر.

 

إن تراجع مستوى التعليم كان من أسوأ مظاهر التحول في حياة المصريين، وهو من أهم جوانب التميز في الشخصية المصرية التي بدأت إنجازاتها فيه بإنشاء جامعة القاهرة وسلسلة من المدارس التاريخية بجانب جامعة الأزهر ودورها الديني والثقافي ليس في مصر وحدها ولكن في العالم العربي والإسلامي. ولا بد أن نعترف أن التعليم في مصر لم يعد كما كان، وقد انعكس ذلك على المستوى الثقافي والفكري للشخصية المصرية، ورغم مجانية التعليم وجوانبها الإيجابية في فترة من الفترات فإنها كانت مجرد حلم عبَر، وكانت الزيادة السكانية من أسوأ ما تعرض له الواقع الاجتماعي المصري؛ فقد كانت من أسباب تراجع مستوى التعليم وارتفاع مستوى الفقر والتكدس السكاني وارتفاع معدلات الجريمة، وقبل هذا كله ظهور العشوائيات وما ترتب عليه من التطرف الفكري والديني والسلوكي ممثلًا في لعنة ظاهرة الإرهاب، وهي أخطر وأسوأ الكوارث في حياة المصريين.

 

وهناك مظاهر خلل أصابت المجتمع الزراعي في مصر، وهي تدمير الأراضي الزراعية في مسلسل طويل خسرت فيه مصر ملايين الأفدنة التي تحولت إلى كتل خراسانية، كانت على حساب إنتاج مصر الزراعي الذي عاشت عليه آلاف السنين في هذا الواقع الاجتماعي الذي تغير في الكثير من أخطر جوانبه، وكانت مشكلة الشباب والملايين الذين يعانون البطالة وملايين أخرى تعاني الأمية، وهناك كارثة المخدرات وقد تحولت إلى وباء ترتبت عليه مآسٍ أخرى مثل: التحرش والجريمة والتكدس والزحام.