✍️ بقلم: فاطمة القاضي
لحظة تاريخية تتجسّد
شهدت مصر اليوم، 1 نوفمبر 2025، افتتاح المتحف المصري الكبير (GEM) رسميًا، في احتفال عالمي ضخم يعيد كتابة فصول من التاريخ المصري أمام أنظار العالم.
من قلب الجيزة، وعلى مرمى البصر من الأهرامات، دقّت أجراس الثقافة لتعلن ميلاد أعظم متحف حضاري في العالم ، صرح يربط بين عبق الفراعنة وروح الحداثة، ويضع مصر مجددًا في قلب المشهد الثقافي العالمي.

وفي لحظة الاحتفال في مصر، تم تنظيم فعاليات احتفالية في العديد من الدول التي تضم آثارًا مصرية هامة، مثل اليابان، نيويورك، وفرنسا، لتأكيد الترابط العالمي والتقدير الدولي للإرث المصري العظيم.
من الفكرة إلى الافتتاح
تعود فكرة إنشاء المتحف إلى أوائل التسعينات، حين تقرّر تخصيص موقعه الفريد على هضبة الجيزة ليكون امتدادًا بصريًا للأهرامات.
وفي عام 2002، أطلقت مصر مسابقة معمارية دولية فازت بها شركة Heneghan Peng Architects الأيرلندية، ليبدأ التنفيذ عام 2005.
لكن الطريق لم يكن سهلًا؛ فقد واجه المشروع تحديات مالية وسياسية وجائحة عالمية، غير أن الإصرار المصري حول الحلم إلى حقيقة تُضيء سماء الحضارة اليوم.

استعدادات ضخمة بإشراف رئاسي
قاد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي اللجنة العليا المشرفة على المشروع، فيما تابع الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه خلال أكتوبر الماضي آخر اللمسات النهائية، واطّلع ميدانيًا على تفاصيل التنفيذ داخل وخارج المتحف.
وشهدت الأسابيع الأخيرة إغلاق القاعات لاستكمال التركيبات الدقيقة، خصوصًا قاعات الملك توت عنخ آمون، التي تضم أعقد وأثمن القطع الأثرية في العالم.
الحكومة أعلنت اليوم عطلة رسمية مدفوعة الأجر احتفالًا بهذا الحدث، بينما حصل أكثر من 450 صحفيًا دوليًا من 180 وسيلة إعلامية على اعتماد رسمي لتغطية الافتتاح من القاهرة.
روائع الحضارة في صرح واحد
يمتد المتحف على مساحة نصف مليون متر مربع، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمثل مختلف العصور المصرية من ما قبل الأسرات حتى العصور المتأخرة.
ويُعد من أبرز ما يضمه، مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة التي تُعرض لأول مرة في التاريخ داخل قاعتين مخصصتين.
كما يحتضن المتحف تمثال رمسيس الثاني الضخم عند المدخل الرئيسي، وقارب خوفو الذي أُعيد تركيبه وعُرض في قاعة مهيبة داخل الصرح الجديد.
ويضم كذلك مراكز أبحاث وصيانة عالمية، قاعات تعليمية، متحفًا للأطفال، وشاشات تفاعلية وتقنيات واقع معزز تمنح الزائر تجربة زمنية فريدة، كأنه يسافر بين عصور مصر المتتابعة.
مكسب حضاري وسياحي لمصر
افتتاح المتحف المصري الكبير يُعد أحد أضخم المشاريع الثقافية في تاريخ مصر الحديث، وركيزة أساسية في استراتيجية الدولة لتنشيط السياحة.
فموقعه على بعد كيلومترين فقط من الأهرامات يخلق محورًا سياحيًا عالميًا متكاملًا، مدعومًا ببنية تحتية متطورة تشمل مطار سفينكس الدولي ومرافق النقل الجديدة.
ويُتوقع أن يجذب المتحف ملايين الزوار سنويًا، وأن يسهم في رفع الدخل القومي وتنشيط الاستثمارات المحيطة بالموقع من فنادق وخدمات سياحية وثقافية.
حفل الافتتاح العالمي
شهد الحفل حضورًا لافتًا لعدد من ملوك ورؤساء العالم، وشخصيات ثقافية ودبلوماسية بارزة، وسط تغطية إعلامية غير مسبوقة.
وتضمن الحفل عروضًا موسيقية وفنية مستوحاة من التراث المصري القديم، إضافة إلى إضاءة مبهرة للأهرامات والمتحف معًا في لوحة ضوئية خطفت أنظار الملايين.
ونُقل الحفل مباشرة عبر شاشات العالم، في مشهد رسّخ رسالة مصر إلى الإنسانية:
> “مصر لا تحفظ التاريخ فقط… بل تُعيد تقديمه للعالم.”
نحو المستقبل
يُتوقع أن يستقبل المتحف في بداياته أكثر من 10,000 زائر يوميًا، مع توسع تدريجي في العروض والفعاليات الدولية.
كما تستعد وزارة الثقافة لتنظيم معارض مؤقتة وتعاونات مع متاحف عالمية كبرى، إلى جانب إطلاق برامج تعليمية للطلاب والباحثين في مجالات الآثار والترميم.
يهدف المتحف إلى أن يكون مركزًا عالميًا للتبادل الثقافي والبحث العلمي، وأن يظل حيًا على مدار العام بفعاليات ليلية وبرامج فنية تربط الأجيال الجديدة بجذور الحضارة المصرية.
ختامًا: بوابة مصر إلى المستقبل
اليوم لا تفتتح مصر متحفًا فحسب، بل تُعلن عن ميلاد رمز جديد لهويتها.
المتحف المصري الكبير هو وعدٌ متجدد بأن الحضارة المصرية ستظل تنبض بالحياة، وتخاطب العالم من جديد بلغة الفن والمعرفة والدهشة.
من هنا، من الجيزة، تُفتح نافذة جديدة لمصر على المستقبل ، نافذة يمرّ منها التاريخ… ويتنفس منها العالم.





More Stories
“حين تسقط.. يسقط معك الصمت فقط”
لديّ رؤيتي الخاصة أيضًا…
ترامب: إسرائيل ستفقد دعم أمريكا بالكامل إذا ضمّت الضفة الغربية