كتبت: فاطمه القاضي
مطروح – لم يكن يدرك الدكتور أحمد عبدالفتاح عبدالتواب، ابن الحرجاوية – سنرو القبلية – أبشواي – الفيوم، أن رحلته إلى مصر لقضاء إجازته الصيفية ستكون الأخيرة في حياته، وأن عودته إلى روسيا لاستكمال دراسة الطب لن تتحقق.
جاء أحمد إلى وطنه قبل أسابيع، ليقضي أيامًا هادئة وسط أهله وأحبابه، يزور بلدته بصحبة زوجته، ويستمتع بلمة الأسرة ودفء الأهل، قبل أن يقرر الذهاب إلى مطروح للاستجمام. لم يكن يعلم أن القدر يخبئ له نهاية مختلفة تمامًا.
مشهد البطولة
في عصر الخميس 21 أغسطس 2025، وعلى شاطئ المفتوح بمدينة مطروح، سمع أحمد صرخات استغاثة مدوية: ستة أشخاص يصارعون الغرق. دون تردد، قفز إلى البحر ليخوض معركة غير متكافئة مع الأمواج العاتية.
بشجاعة نادرة، تمكن من إنقاذ أربعة أشخاص وإعادتهم إلى بر الأمان، لكن البحر لم يرحم جسده المرهق. وبينما حاول إنقاذ الاثنين الآخرين، غدر به الموج، ليبتلعه ومعه الغريقان، تاركًا وراءه قصة بطولة نادرة.
دموع الزوجة والأم
لحظة الفاجعة لم تغب عن أعين زوجته ووالدته اللتين كانتا على الشاطئ. عايشتا لحظة الأمل وهما تريان من أنقذهم يخرجون للحياة، ثم تحولت دموعهما إلى صرخات فزع حين اختفى جسده عن الأنظار. ورغم أن جثمانه انتُشل سريعًا، فإن المشهد سيبقى محفورًا في ذاكرتهما للأبد.
بطل حتى في الغربة
لم تكن تلك المرة الأولى التي يخاطر فيها أحمد بحياته لإنقاذ الآخرين. أصدقاؤه في روسيا، حيث كان يدرس الطب، أكدوا أنه أكثر من مرة اندفع نحو البحر لينقذ رفاقه من الغرق، وكان دائمًا أول من يتحرك حين يسمع استغاثة. كان هادئ الطباع، لكن داخله قلب لا يعرف إلا العطاء والشجاعة.
أين غفر الشاطئ؟
ومع كل هذه البطولات، يظل السؤال المؤلم يتردد: أين كان غفر الشاطئ في تلك اللحظة؟ لماذا تُرك شاب أعزل يواجه الأمواج وحده لإنقاذ ستة أشخاص؟
شهود العيان تحدثوا عن غياب أي دور ملموس للمنقذين أو الغفر، ما جعل أحمد يخوض المعركة بمفرده حتى فقد حياته. فهل كان يمكن أن يختلف المشهد لو قام المسؤولون بدورهم؟
رحيل الجسد وبقاء الأثر
رحل أحمد بعدما ترك أيامًا من البهجة مع أهله في قريته، ورسم ابتسامة صافية على وجوه من أحبوه، ثم ختم رحلته القصيرة ببطولة سيذكرها التاريخ. لم يرحل كأي مسافر عادي، بل عاد ملفوفًا بكفن الشرف، ليوارى جسده ثرى وطنه، بينما ستظل قصته تتردد في القلوب كحكاية بطل أعطى الحياة لغيره وفقد حياته هو.
إنها ليست مأساة عابرة، بل صرخة للضمير: أن البطولة لا تكفي وحدها ما لم يقابلها وعي ومسؤولية من الجهات المعنية. وأن أحمد سيظل شاهدًا على أن التضحية الحقيقية لا تموت.





More Stories
برعاية الدكتور مينا يوحنا.. اجتماع موسع لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان بكفر الشيخ لتعزيز الوعي المجتمعي والمشاركة الوطنية
إتحاد “شباب العمال” يشكل غرفة عمليات مركزية وتواصل أعمالها على مدار الساعة لمتابعة سير العملية الانتخابية
كلمات بلا أفعال لن تحقق العدالة المناخية .. تحذير رسمي من الدكتور مينا يوحنا