كتبت – اسماء السيد سامح
لا أتقن ولا اثق بقلمي أن يبهرني ولا أريد أن يفصح مابداخلي ولكن أكتب الكلمات تصبح أكثر إقناعًا عندما تأتي من الغير؛ أكتب لأنّني عندما أدوّن المعاني كمحايدة أصبح بهذا في مقام شاهد تطوّع لإنصاف أحدهم، ذلك الغريب الذي لا أعرفه ولكنّي أعرف أنّه عاش دهرًا وحيدًا يعاني الشهادات المجروحة؛ فكانت كلماتي شهادة الحق غير المجروحة الذي عاش ينتظرها ليعلم بعدها كل ذي قدرٍ قدره.
سيصدمُك الواقعُ الافتراضيّ في تويتر وأخواته، وستتجولُ عبر صفحات تعجّ بفيض من الجماعات الفنيّة والشعريةِّ، تنتمي إلى تكتلاتً “غيرِ رسميّة”؛ تمردًا ونكايةً وانقلابًا على الاتحاداتِ الرسمية والمعترف بها حكوميًا ودُوليًا، اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي “مقرًّا”، ومن الثقافة مطيّة، وتطوّح- صباح مساء- شهادات الإبداع ودروع التفوق وبراءات الابتداع، على من “هبّ ودبّ”، وتحتفي بصاحب القصيدة اللولبية، والمطولة الشعرية البهيّة، وتوصي بطباعة وتوزيع وملكة جمال الحرف المكنون.
ليس الشِّعر روزنامة من الأوزان يتمُ تكديسُها في مخزن الذاكرة لاستدعائها بـ”الأمر المباشر”؛ فتقفز على أسطر الكراساتِ، وتلمعُ على أسطحِ شاشاتِ الهواتف الجوّالة، فتبهر البنين والبنات، وتأسر قلوب الفتيات الفاتنات.
ليس الشِّعر قافيةً تجرُّ المعنى من ذَيلهِ إلى حافةِ الجدول فتسري في العقلِ خمرةٌ، فَسَكْرَة تُفقِدُ الكلمات صوابها، وتسلبُ من البحورِ اتزانها، وتتراقصُ على إيقاعِ النبرِّ ألوانها، ليس الشعر يا- ربّات الحرف والجمال- صورةً مكرورةً مألوفةً، نائمةً في بطونِ الشواهد والمتونِ وحواشي أُمّهات الكُتبٍ العتيقِة، يستدعيها المتشاعرُ المغرورُ لِتقِفَ في حضرتِه، وتوقظَه كلَّمَا سقط في بئر.
الشّعرُأيُّها الساهر في صوامعِ المتصوفين- قرآنا مُنزهَّا عن كل نقصِ، وليس نصًّا مُقدسًا ومتطهرًا من كل رجسِ، وليس إلهامًا وأحاديثَ نفسِ، وليس الشِّعرّ- أيها التائهُ في دروبِ العاشقين- تُرهاتِ مجانين، ولا هَمهماتِ مشعوذين، ولا طلسمات سحرةٍ ودجّالين.
الشعر يا سادةَ كائنٌ حيٌّ يمشي على الأرضِ؛ بل روح الشاعرِ التي تخرجُ من جسدِه وتجالِسُه وتسامره؛ وتحِلُّ في جسد الكلمات فتُبعَثً من تحتِ الأجداثِ حيّةً تَسعى؛ الفكرة رأسُها، والصورةُ جسمُها، والموسيقى قلبُها، والعاطفة أنفاسُها، والمعاني نورُها؛ تتجلّى كنجماتٍ لامعةٍ تتوهجُ في سماءِ اللغةِ تومِضُ كبرقٍ يخطفُ القلوبَ من وُكناتها، ويأسرُ العقولَ من مِهادها، ويوقظُ الأنفسَ من سُهادها، ويقدحُ زِناد الأفئدةِ فتنشط من منامِها.





More Stories
عاوزا الجوفايا دي أوزنها لي يا ابني
هذه قصيدة لكل أب إستثمر في أولاده (( الورث الحقيقي ))
إلتَقيِنَا صُـــــــــدْفة