23 يناير، 2025

الشرق الأوسط نيوز

آخر الأخبار تعرفونها فقط وحصرياً على الشرق الأوسط نيوز موقع اخباري شامل يدور حول العالم

قاهرة المعز ومطعم “بامبو” المطعم الأخف دماً

 

تقرير- عماد إبراهيم

مازال شارع طلعت حرب “سليمان باشا” يحتفظ حتى الآن بأغلب مواقع مطاعمه القديمة الرئيسية في الفترة “الكوزموبوليتانية” المتنوعة الثقافات والأعراق وإن اختلفت مسمياتها وطبيعتها حاليا، وتبدأ المواقع وتتركز في الجزء الشمالي من الشارع الذي يبدأ من ميدان طلعت حرب وحتى تقاطعه مع شارع 26 يوليو.

أولى هذه المطاعم هو “جروبي” وتميز بأرستقراطيته المتميزة والتي فقد كثيراً منها بعد التأميمات في الستينيات وحالياً مغلق بنية إعادة إحياءه التي طالت، يليه في نفس الجهة اليسرى من الشارع مطعم “شي نو” وإن كان يقع على شارع عبد الخالق ثروت إلا أنه محسوباً على شارع طلعت حرب لأنه أسفل عمارة مدخلها عليه ويحتله الآن مطعم “آخر ساعة”، وتميز المطعم القديم بأنه فرنسي الطابع مع مظهر تقليدي تميز به عدد من المطاعم المتوزعة في وسط البلد من واجهات زجاجية محاطة بإطار خشبي لونها أخضر وتنسدل وراءها ستائر بيضاء حفاظا على خصوصية من بداخله.

على واجهة نفس العمارة على طلعت حرب ظهر في الستينيات مطعم “زينة” واسمه العربي يعبر عن مرحلة المد القومي العربي في تلك الفترة لذا كان جاذبا للزبائن العرب وخاصة الفلسطينيين والأردنيين والسوريين والعراقيين وتخصص في المأكولات ذات الطابع العربي، ويحتل مكانه الآن مطعم “كنتاكي” يعقبه على الجهة اليمنى المقابلة من الشارع وعلى ناصيته مع شارع عدلي “إكسلسيور” المطعم الإنجليزي الطابع لذلك كان هدفاً في حريق القاهرة عام 1952 وتم ترميمه واستمر على طابعه الإنجليزي العريق والمحافظ على كلاسيكيته دون تأثر بالتطورات إلى أن فقده شيئا فشيئا حتى أغلق ُومازال مغلقاً.

نعود إلى الجهة اليسرى من الشارع حيث يوجد مطعم “روي” وهو إن كان في الأصل مطعم إنجليزي الطابع إلا أنه كان أخف من “إكسلسيور” واتبع جزئياً الأسلوب الأمريكي، يليه بعدد قليل من المحلات “أميركيين” طلعت حرب لذا كان أمريكي الطابع حيث كان على الزبون أن يأخذ صينية بلاستيكية ويمر بها أمام المأكولات المعروضة ويختار ما يشاء ليصل في نهاية المسار إلى الخزينة ليدفع ثمن ما اختاره.

في الجهة المقابلة للأمريكيين وتحديداً على الناصية اليمنى للممر المواجه له كان يوجد مطعم “بامبو” الإيطالي الطابع والأكثر ألفة ويعود ذلك لأنه كان بمثابة مطعم فئوي أو شبه نادي خاص بالجالية الإيطالية التي كانت تعتبر من أكبر الجاليات الأجنبية في هذه الفترة، لذا جذبهم ومعهم المصريين الإيطالي الثقافة والأخرين الذين أعجبهم أجواءه حيث تذوب الكلفة بين العاملين سواء كانوا ايطاليون متمصرين أو مصريون تربوا وتعلموا على يد الإيطاليين في ظل جو من الود والمرح.

تعرفت على المطعم مبكرا لأنني بدأت تعليمي في المدرسة الإيطالية في شارع الجلاء حتى أغلقت بعد التأميمات وخروج الأجانب من مصر وتحولت إلى القنصلية الإيطالية وحالياً مغلقة، وذلك لشهرته في المدرسة وقربه من بيتي وتراجعت علاقتي به بالتدريج لانتقالي إلى مدارس في الزمالك إضافة لتآكل لغتى الإيطالية حتى فقدتها تماما.

ومن الشخصيات الطريفة بالمطعم كان “فيفي” عامل السندويتشات والطلبات السريعة المصري تربية الإيطاليين، واكتسب اسم الشهرة النسائي هذا لأنه كان دائما ما يقلد الفتيات في الكلام والحركات مع الزبائن الدائمين الذين كانوا دائما ما يمازحونه ويعزمونه للجلوس معهم وتناول مشروب عندما ينهي عمله أو يجئ مبكرا.

أتذكر “باولو” إن لم تخني الذاكرة في اسمه والواقف على صانعة القهوة وكان مشروبي المفضل هو “الكابتشينو” الأصلي الذي يختلف تماما عما يباع اليوم، ويترجم اعداد المشرب فعليا بدقة اسمه الإيطالي ومعناه “الطرطور الصغير”، إذ بعد إضافة القهوة إلى اللبن بنسب محددة يتم بالمعلقة اسقاط رغوة كثيفة من اللبن تطفو فوقه وتأخذ شكل الطرطور الصغير وتكسبه طعمه المميز.

كان “باولو” بمثابة الحكيم اللطيف في المطعم بوجهه الهادي ونظارته الطبية، التي كان دائما إطارها مربع أسود وعريض يضفي عليه احترام، يجلس مع الزبائن الدائمين للمطعم في غير أوقات عمله او خلال عمله وهم وقوف وهو يعد لهم مشروبه ويشربوه وقوفا أمامه ويتحدث معهم باللهجة المصرية السليمة أو الإيطالية في كل المجالات ويبدى آراء محترمة، وعلى العكس منه زميله “فوتي” صانع القهوة أيضاً وكان مرحا وكثير النكات مع الزبائن وخصوصا الشباب الذين كانوا يلتفوا حوله ويهمس لهم بنكات على الغالب كان يترجمها من الإيطالية.

في إحدى المرات دخل زبون عابر المطعم وأثار الالتفاف الهامس حول فوتي فضوله وأخذ يسترق السمع وهو يبتسم مما يسمع وفجأة صاح “إيه قلة الأدب دي” ومع الدهشة والارتباك نتيجة صياحة أسرع مدير المطعم إليه واتضح أنه سمع نكتة خارجة أخرجته من شعوره فهدأه المدير الإيطالي وعنف فوتي، وبعدما غادر الزبون المحل طلب من فوتي أن ينتبه لمن حوله وهو يحكي نكاته حتى لا تتكرر الحادثة، وكانت الحادثة مثار تندر الزبائن الدائمين وعندما يجلس معهم المدير كان يقول: “الزبائن بتحب نكت فوتي ويتهامسوا معه مقدرش ازعلهم هو اللي راح يتجسس عليهم ويسمع اللي يعجبه ويغضب من اللي ما بيعجبوش”.

تراجع عدد الإيطاليين في المحل من زبائن وعمال مع بدايات السبعينيات وبدا يأخذ الملامح المصرية ومع طغيان المطاعم الأمريكية واستحواذها على الطلب تراجع الطلب على المطعم مثله مثل باقي هذه المطاعم وأُغلق وتحول إلى محل للملابس حالياً.